• ×
الخميس 26 نوفمبر 2020 | 11-25-2020
د.جاسر الحربش

شبابنا يفتقد القدوة







في ثلوثية المشوح العامرة بالكرم والأدب والحوار الراقي، سألني الأخ الفاضل محمد الحمدان عن سر الانتشار الكاسح لثقافة الوجبات السريعة بين أجيالنا الشابة من الجنسين، وعن الخلطة المتعمدة لمفردات ومصطلحات أجنبية في التخاطب بين نفس الفئات العمرية. كمتحدث ضيف لذلك اليوم في ثلوثية الفاضل الدكتور محمد المشوح كان السؤال موجهاً إلي. لدواعي التقيد بالوقت المسموح لكل سؤال، كان جوابي العفوي أنّ السبب هو افتقاد القدوة للشباب في جيل الكبار.

السؤال منطقي جداً ويحمل حرقة السائل وجزعه من تسرب إرث تراكمي، غذائي ولغوي، تشكل عبر آلاف سنين، خلال ثلاثة أو أربعة عقود فقط من التحدي الاستهلاكي الوافد مع الطفرة البترولية. السؤال مبرر أيضاً لأن الوجبات السريعة رديئة وضارة، ولأنّ الخلطة اللغوية المنتشرة بين الشباب سامجة ومضحكة، لا تعبر عن شخصية شبابية مستقلة التفكير ، بقدر تعبيرها عن شخصية مستلبة غير مقتنعة بالقديم السائد، لكنها غير قادرة ولا مؤهلة لابتداع جديد خاص بها، فاستسلمت لتقليد الجاهز المستورد مع عدم القدرة على التفكير في مساوئه وأضراره.

بالرغم من ذلك، أي رغم رداءة الوجبات المستوردة مقارنة بالغذاء التراثي، ورغم سماجة الخلطة الهجينة مقابل الأصالة اللغوية، يبقى تلخيص الإجابة على السؤال بافتقاد القدوة في الكبار مستعجلة وغير كافية.

افتقاد الشباب لوجود القدوة في الكبار مجرّد عنوان صغير لظاهرة إنسانية شاملة ومركزية التأثير في المسيرة البشرية بكاملها ، اسمها غريزة التجديد أو البحث الدائب عن الجديد.

الفرنسيون والألمان ، وهم الفئة الأكثر تأثيراً في الحضارة الأوروبية لديهم (جيل الكبار) نفس الرهاب من تأثير الحضارة الاستهلاكية الأمريكية على إرثهم اللغوي والغذائي. يحاولون منذ خمسين سنة بدون نتيجة ردم الفيضان الأمريكي من الهمبرقر والتشيربرقر والكاتشاب والدونات والسوفت درينكز والجينز والتيشيرت، وكذلك الفيضان اللغوي الذي حضر في نفس الفترة الاستهلاكية مع المأكولات والمشروبات والأفلام وبرامج التسلية الأمريكية. لعلكم لاحظتم أنني أتيت بنفس الكلمات للبضائع الاستهلاكية بلغة أهلها، ذلك لأنّ المقابل لها باللغة العربية غير متفق عليه وغير مدروس وغير مقنع. حينما تستورد البضائع تستورد مسمّياتها معها. مجرّد الاجتهاد باستبدال المسمّيات لا يُعَد منافسة ولا إنتاجاً مضاداً، وإنما احتيال لغوي لتغطية الاستسلام للواقع الاستهلاكي. الشباب يتصرفون هكذا مع الجديد، بعفوية وبدون شعور بالذنب والتقصير. هذا الشعور بالذنب والتقصير من شأن الكبار الذين تركوا صغارهم بدون إنجازات قابلة للمنافسة، واكتفوا بالانتقاد والنصائح والمواعظ.

في اليابان قبل الحرب العالمية الثانية وفي السنوات العشر الأولى بعدها، كانوا يبدون مقاومة شديدة للمستورد من الموسيقى والرقص وقصات الشعر وثقافة الأكل والشرب والتخاطب. اذهب الآن إلى اليابان وسوف تجد الشباب هناك قد انغمس لأذنيه في الطوفان الاستهلاكي الأمريكي، حتى في طريقة تلوين الشعر وتركيب الأقراط والدبابيس في الأنوف والشفاه والآذان، وفي التنطع بمزج مفردات أمريكية في لغته الشبابية الهجينة.

هذا على المستوى الاستهلاكي ونماذجه من الأكل والشرب والكلام واللباس والموسيقى والرقص والتسلية ، حيث لم يجد الشباب الياباني والألماني والفرنسي بدائل مقنعة في بيئاتهم المحلية. الأمر مختلف عندهم فيما يخص الإنتاج العلمي والصناعي. الشاب الأوروبي مازال يفضل السيارة والدراجة والجبنة والكرة والموسيقى الكلاسيكية من الإنتاج الأوروبي، لأنها أفضل من البدائل المستوردة. العكس هو الحاصل، إذ إنّ الشاب الأمريكي يفضل هذه النماذج من البضائع الأوروبية على الأمريكية، وفي اليابان نجد نفس الشغف الشبابي بالمنتجات الصناعية والعلمية اليابانية، لأنّ البديل المحلي الأجود والأفضل والأكثر عملية يفرض نفسه دائماً.

لكن ماذا بخصوص أجيالنا الجديدة هنا في السعودية وفي كل العالم العربي، وما هي البدائل التي يوفرها لهم الكبار على كل المستويات، الاستهلاكية والعلمية والصناعية؟. إن كانت الإجابة صفراً ، بينما الشباب بطبعه الغريزي يبحث دائماً عن الجديد والعملي في كل بقاع الأرض، فعلينا أن نكون مستعدين لما هو أوسع وأشمل من أنواع التباعد بين الأجيال. النصائح والمواعظ لا تريح الشباب بل وربما تزعجه ، إلاّ عندما تكون مدعمة بالجديد العملي المقنع.

صحيفة الجزيرة


Monday 23/12/2013 الأثنين 20 صفر 1435
العدد Issue 15061
بواسطة : د.جاسر الحربش
 0  0  2.8K
تغريدات تابَع
  • 29m صحيفة وتين الإلكترونية @wateennews

    هيئة الاتصالات تعرّف بخصائص الامتداد الآمن في مجال أسماء النطاقات https://t.co/x1NNl27k0z https://t.co/4NtHgXKxuG

    View image on Twitter
  • 37m صحيفة وتين الإلكترونية @wateennews

    مدني الباحة يدعو الجميع إلى أخذ الحيطة والحذر في ظل التقلبات الجوية التي ستشهدها المنطقة https://t.co/xYUFYwJLTH https://t.co/iBKeQlGrfW

    View image on Twitter
  • 50m صحيفة وتين الإلكترونية @wateennews

    أمانة مكة تستنفر جهودها لمواجهة الحالة المطرية https://t.co/hQMjBEkIUW https://t.co/6ps3fenolC

    View image on Twitter
  • 3h صحيفة وتين الإلكترونية @wateennews

    القدية تمنح كامل عقودها الإنشائية لشركتي هيف للمقاولات وفريسينه السعودية العربية https://t.co/EtevOHTshE https://t.co/bAiTaL1uRD

    View image on Twitter
  • 4h صحيفة وتين الإلكترونية @wateennews

    تعرف على حالة الطقس الماطرة و المتوقعة لهذا اليوم الخميس https://t.co/qT5LPjXcwZ https://t.co/2dQUu7XS2Q

    View image on Twitter
  • 6h صحيفة وتين الإلكترونية @wateennews

    RT @wateennews: الأخوان في اليمن أذرع للدوحة و أنقرة لإشعال الفوضى والوقوف في طريق "اتفاق الرياض" https://t.co/k0SWK9EahY https://t.co/Q7P8…

  • 12h صحيفة وتين الإلكترونية @wateennews

    وزير الشؤون البلدية يعتمد خطة متكاملة لمعالجة الأحياء العشوائية https://t.co/PTp584ggxx https://t.co/TJr04HYN7Y

    View image on Twitter
  • 13h صحيفة وتين الإلكترونية @wateennews

    #عاجل | ترمب يعلن العفو عن مايكل فلين الذي كذب على مكتب التحقيقات الفيدرالي بشأن روسيا

  • 14h صحيفة وتين الإلكترونية @wateennews

    #عاجل | ترمب يشارك عبر الهاتف في جلسة استماع في ولاية بنسلفانيا https://t.co/r7KNO9Fgfi

    View image on Twitter
  • 14h صحيفة وتين الإلكترونية @wateennews

    #عاجل | ترمب : سوف أتحدث أمام جلسة استماع مهمة للغاية لمجلس الشيوخ في ولاية بنسلفانيا والتي تجري الآن.

    سوف نتحدث… https://t.co/R91pAeTLyd

جديد المقالات

أعتدنا كمواطنين سعوديين على سماع الكثير من التهم و التلميحات التي تصفنا بأننا تكفيرين أو حتى...

خرجت الجماهير الغاضبة العام المنصرم ۔ تندد بارتفاع أسعار الوقود والكهرباء وفشل السياسات...

محمد سعد عبد اللطیف

ليس التفريق بين ما هو إعلام نزيه، و ما هو بروباغندا دعائية رخيصة بالأمر الهيّن، بل إن التفرقة...

لارا أحمد

اخترنا لك

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 13:33 الخميس 26 نوفمبر 2020.
Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

صحيفة تصدر عن مؤسسة دال للنشر الإلكتروني ... جميع التعليقات و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي الصحيفة بل تعبر عن رأي كاتبها . ( صحيفة مرخصة )