تبدو ثقافة الرقابة والمحاسبة في ساحتنا الرياضية ضحلة، بل أكاد أجزم أنها معدومة، والسبب في ذلك يعود إما لغياب الآليات الديموقراطية الحقيقية، أو لانعدام النهج الاحترافي السليم، أو لفشل اعتماد العمل المؤسساتي المهني، أو لغيابها جميعاً، وهو الأرجح.
نحن في السعودية نعاني من غياب هذه الثقافة تماماً، فالمسؤول في هذا الاتحاد الرياضي أو ذاك النادي يأتي إما بالتزكية أو بالانتخاب أو بالترشيح وبلا برنامج انتخابي، وإن وضع برنامجاً على الورق فلا يضع آليات لتنفيذه، ولا برنامجاً زمنياً لتحقيقه، فقط يكفي أن يقدم وعوداً صحفية، أو يطلق أحاديث مجالس أمام (البشكة) أو (الأخويا) ليكون رجل الساعة، وعرّاب المرحلة.
تمر الدورة الرئاسية وربما الأخرى ولا نتائج مرجوة، أو في مستوى الطموح، ولا يجد من يسائله فضلاً عن أن يحاسبه، فلا جمعيات عمومية تعقد، وإن عقدت فليس سوى جمعيات صورية يتلو فيها الرئيس بياناته أمام الكراسي الخاوية أو بحضور ذات (البشكة) (الأخويا) أنفسهم الذين حملوه للكرسي، وليست ثمة جهات تحاسبه على بياناته المالية، فضلاً عن الفنية، فيتخبط في ديونه، وفي نتائجه فيستمر أو يرحل، فذلك سيان فكل تلك الأخطاء والكوارث يتم تسجيلها في نهاية المغامرة ضد مجهول!.
لنأخذ مثلاً الاتحادات الرياضية في الألعاب المختلفة، فهذا الرئيس أو ذاك يأتي بترشيح من رئيس اللجنة الأولمبية أو معاونيه فيأتي ونصف قائمة أعضاء الاتحاد في جيبه والنصف الآخر في جيب (الجمعية العمومية) الصورية التي تنتهي مهمتها برمي ورقة الترشيح في صندوق الاقتراع، ثم يمضي في عمله فيحصد الفشل تلو الفشل والخيبة تلو الأخرى فتنتهي ولايته أو يجدد له، ولا مقياس لبقائه أو رحيله.
في الاتحاد السعودي لكرة القدم حيث الانتخابات بكل الأعضاء اضطر المرشحان أحمد عيد وخالد المعمر لتقديم برنامجيهما الانتخابين لتجميل الصورة، وكان برنامج عيد إفلاطونياً، لكنه لم يكن سبباً في فوزه، فقد جاء للكرسي بسياسة التحالفات ولعبة التكتلات، وهاهو يقترب من اللفة الأخيرة لدورته الانتخابية والفشل عنوان المرحلة بكل تفاصيلها نتائجياً وميدانياً، ولا أحد يحاسبه، وحين خرج من يريد فرض حقه الديموقراطي في الرقابة والمحاسبة أسقط بفعل فاعل.
في الأندية حدث ولا حرج، فقلة قليلة تأتي بالانتخاب، والأغلبية بالتزكية، وبينهما من يأتي بهبة من الرئيس الشرفي أو الفخري، كل أولئك لا يقدمون برنامجاً لعملهم، وإن اضطر الواحد منهم لذلك تجاوباً مع ما تحتاجه عملية التجميل الانتخابية، فلا يكون البرنامج أكثر من حبر رخيص يسال على ورق لا قيمة له في سوق الانتخابات، فتمضي الأعوام وتذهب الاستحقاقات فيبقى الرئيس دورة ثانية وثالثة أو يرحل بلا شهادة نجاح أو فشل.
القرارات الأخيرة التي فرضها الرئيس العام الأمير عبدالله بن مساعد بهدف معالجة واقع الأندية المالي والتي بسببه باتت مهددة بالانهيار، ما كان ليكون لولا أن الآليات الديموقراطية معدومة، والمنهج الاحترافي سيء، والعمل المؤسساتي فوضوي، وهي حقيقة لا يمكن الالتفاف عليها وإلا لما وصلت الأمور إلى أن بعض الأندية باتت على حافة الهاوية وأخرى تنتظر بلوغ ذات الحافة.
حلول الأمير عبدالله بن مساعد جيدة في معالجة القصور في الإدارة المالية، لكنها لا تكفي ما لم يكن هناك معالجة جذرية للآليات الإدارية بدءاً من تشكيل مجالس الإدارات وتمتين أدوار الجمعية العمومية، وفرض أساليب دقيقة في عملية الرقابة والمحاسبة في الاتحادات والأندية، ومن دون ذلك سنظل ندور في حلقة الفشل المفرغة.
جريدة الرياض
الأحد 13 ذي الحجة 1436 هـ - 27 سبتمبر 2015م - العدد 17261