حين تشتغل مؤسسات ومفكرو أي مجتمع على نقد العامة أو أفراده من أجل إصلاحهم أو اجتثاث التطرف الفكري من عقولهم، بحجة أن «العامة» لديهم أزمة في الحوار؛ لأنهم لا يملكون أدبياته لهذا تخلص حواراتهم للقطيعة.
هم ـ أي المفكرين والمؤسسات ـ يشتغلون على إصلاح النتيجة وليس الأسباب التي أدت لهذه النتيجة، وهذا ما يجعل الجهد المبذول بلا قيمة، أو لن يحقق النتائج المرجوة، إذ لا يمكن حل مشكلة ما من خلال نتائجها، لأن بقاء الأسباب سيقدم لك دائما نفس النتيجة التي تحاول إصلاحها، فما الأسباب التي تخرج هذه النتائج دائما؟
إن انطلقت من مؤسسة التعليم وغالبية الأسر لمعرفة آلية الحوار فيها وما الذي تنتجه، ستجد أن التعليم وطوال بقاء الأفراد لديه، لا يعلمه كيف يتحاور، وفوق ذلك تخبره أن ما تقدمه له حقائق نهائية مع أن العلم والفكر ضد هذا، لأن كليهما يتطوران ويصححان النظريات وتفسيرهم للأمور.
في الأسرة الحوار باتجاه واحد الكبير في السن الذي يفهم الحياة أكثر من الجميع، وبالتالي هو مالك الحقائق التي على باقي أفراد الأسرة الاستماع له.
والمؤسسة والأسرة تضعان من لديه رأي أو وجهة نظر مخالفة في خانة المشاغب الذي لم تربه أسرته، أو العاق الذي لا يحترم كبير الأسرة فيسمع وينفذ ما يقوله دون جدل.
إن انتقلت لغالبية مفكري المجتمع، لقراءة ما ينتجونه من فكر، ستصطدم في كتاباتهم/ محاضراتهم/ خطبهم بمفردات تمنع وتقمع الرؤية المخالفة، وستقرأ في نقدهم للآخر: «إن العقلاء أو الوطنيين أو الشرفاء أو الناجين ضد هذا الرأي أو التفسير»، قبل أن يقدم رؤيته أو تفسيره على أنها حقيقة لن يصل إليها إلا العقلاء، فيضع المتلقي على حافة الجنون والخيانة وانعدام الأخلاق إن خالف ما يقوله هذا المفكر الذي يريد معالجة العامة من مرض «التطرف الفكري».
خلاصة القول: إن خلق التعددية في أي مجتمع يحتاج لآلية تشتغل عليها المؤسسات والمفكرون والأسرة، فتعلم أفرادها الحوار وتقبل الاختلاف منذ الطفولة، وأن السن دون الغوص في الكتب لا يلعب دورا كبيرا في المعرفة، وأن مفردات «العقلاء ـ الوطنيين ـ الشرفاء ـ الناجين» تخلق «الفتن»، إذ أن الفتن نتاج تصادم حقيقتين، وليس تفسيرين بشريين قابلين للصواب والخطأ والتطور.
عكاظ
الأحد 23/04/1435 هـ
23 فبراير 2014 م
العدد : 4634